لاتقربوا انفلوننزا المعاصى
الحمد لله.. الحمد لله القاهر فوق عباده وهو الحكيم الخبير ، يفعل ما يشاء ، ويحكم ما يريد ، لا معقب لحكمه ولا راد لأمره ، وإذا أراد الله بقوم سوءاً فلا مرد له ، وما لهم من دونه من وال ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، السماء سماؤه ، والأرض أرضه ، والكون كونه ، يعز من يشاء ، ويذل من يشاء ، بيده الخير وهو على كل شيء قدير ، وأشهد أن محمداً أسواقاً فارغة، وطرقاتٍ خالية، وأبواباً مغلقة، وجاء الخبرُ من أذربيجان، أنَّه لم يسلمْ من تلك البلاد، إلا العددُ اليسير جداً، ووقع وباءٌ بالأهوازِ وما حولها، حتى أطبق على البلاد، وكان أكثرُ سببِ ذلك الجوع، فكان الناسُ يشوونَ الكلاب، ويَنبشونَ القبور، ويشوونَ الموتى ويأكلونهم، وليس للناسِ شغلٌ في الليل والنهار، إلا غسلُ الأمواتِ ودفنُهم، وكان يدفنُ في القبرِ الواحد، العشرونَ والثلاثون.
وفي أحداث سنة 597هـ يقول ابن كثير: "فيها اشتد الغلاء بأرض مصر فهلك خلق كثير جداً من الفقراء والأغنياء، حتى حكى الشيخ أبو شامة في الذيل أن العادل كفن من ماله في مدة شهر من هذه السنة نحواً من مائتي ألف وعشرين ألف ميت، وأُكلت الكلاب والميتات فيها بمصر، وأُكل من الصغار والأطفال خلق كثير،.. وكثر هذا في الناس جداً حتى صار لا ينكر بينهم، فلما فرغت الأطفال والميتات غلب القوي الضعيف فذبحه وأكله".
أيها المسلمون، ووالله الذي لا إله إلا هو لولا نقلة هذه الأخبار من علماء الأمة الموثوقين والمحققين كابن كثير وغيره، لكان يصعب تصديقها.
عباد الله، إن هذه العقوباتِ المهلكة والكوارثَ المفجعة، ليست ضرباً من الخيال، وليس فيها شيء من التهويلِ والمبالغة، فالله يقول: وَكَذظ°لِكَ أَخْذُ رَبّكَ إِذَا أَخَذَ ظ±لْقُرَىظ° وَهِىَ ظَـظ°لِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ لكن الذي نشأ من أمثالنا، منذُ نعومةِ أظفاره، في بحبوحةٍ من العيش، لم يذقْ مرارةَ الجوع، طرفةَ عين، حريٌ به أن يعجبَ مما سمعَ كلَّ العجب، لكنْ سلوا الآباء والأجداد، الذين اصطلوا بشيء من نارِ الجوع، ولهيبِ الظمأ، دهراً طويلاً، وارتعدتْ فرائصهُم وقلوبُهم من قطاعِ الطرق، وعصاباتِ السطو، في وضحِ النهار، يتضحُ أنَّه ليسَ في الأمرِ غرابةٌ من قريبٍ أو بعيد، فاعتبروا يا أولي الأبصار.
أيها الأحبة، إن ما سمعتم من قصص قد حصلت لمسلمين، إنها ليست أخبار مجتمعات كافرة، بل وكانوا في تمسكهم بدينهم أحسن منّا حالاً، ومجتمعاتهم كانت أنظف من مجتمعاتنا بكثير، ومع ذلك عاقب الله هذه الأمة بمثل ما سمعتم، وليس بين الله وبين أحد من خلقه نسب، والسنة ماضية على الجميع وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ ظ±للَّهِ تَبْدِيلاً قال الله تعالى: ذظ°لِكَ يُخَوّفُ ظ±للَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يظ°عِبَادِ فَظ±تَّقُونِ والله عز وجل يقول: فَلَوْلا إِذْ جَاءهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ
فلا بد من الضراعة إلى الله بالدعاء والعمل، أمَّا الدعاء فالجميع يبادر إليه خوفاً وهلعاً، وأما العمل، فلا يقدر عليه إلا الصادقون المخلصون، العمل على ترك ما أوجب العقوبة، من فواحش ومنكرات ومبارزة للجبار بالمعاصي والموبقات و إهمال شريعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ..
عباد الله،إن هذه الأمراض والبلايا لتذكرنا بعدم الركون إلى الحياة الدنيا، { إن الذين لا يرجون لقائنا ورضوا بالحياة الدنيا واطمأنوا بها والذين هم عن آياتنا غافلون أولئك مأواهم النار بما كانوا يكسبون}، تذكرنا بقصر الأمل.
قال داوود الطائي: لو أملت أن أعيش شهراً لرأيتني قد أتيت عظيماً، وكيف أمل ذلك وأرى الفجائع تخشى الخلق في ساعات الليل والنهار.
وكان أويس القرني إذا قيل له كيف الزمان عليك؟ قال: كيف الزمان على رجل أمس ظن أنه لا يصبح وإن أصبح ظن أنه لا يمسي فمبشر بالجنة أو بالنار، ولذلك جاء عن ابن عمر رضي الله عنه: إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وخذ من صحتك لمرضك، ومن حياتك لموتك أستعد بهذا لهذا. عباد الله، هلك قوم أكثروا الآمال، وجمعوا الأموال، ولم تغني عنهم أموالهم عندما نزل بهم الموت، { ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة وتركتم ما خولناكم وراء ظهوركم }، لم تأخذوا منه شيئا.
يا نفس توبي فإن الموت قد حانا واعصي الهوى فالهوى ما زال فتانا
أما ترينا المنايا كيـف تلقطـنا لقطـا وتلحـق أخـرانا بـأولانـا
في كل يـوم لنا ميـت نشيعـه ننسـى بمصـرعه آثـار مـوتانا
يا نفس مالـي وللأموال أكنزها خلفي وأخرج من دنيايا خسـرانـا
يا رب يكون الموضوع عجبكم
ويارب يكون بفايده
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته