تاريخ مرسيدس-بنز
مؤكدا كان هناك توافق بين عقليتا كارل بنز وجوتليب دايملر على مبدأ استخدام المحرك البترولي كقوة دافعة للعربة بدلا من الدواب، وباستثناء ذلك كان الأمر مختلفا لكل منهما. فبينما كان دايملر يجري تجاربه سعيا لإرضاء طموحاته وشغفه العلمي والتأكد من نظرياته، سعى بنز إلى استغلال عبقريته وابتكاراته العلمية لتحقيق الفائدة التجارية منها، فقدم في عام 1888 للأسواق نسخة معدلة عن عربته ثلاثية العجلات التي لاقت اعجابا كبيرا من الناس ولكن ليس الى حد الشراء، ففشلت خطوته التجارية الأولى ولم يبع سوى نسخة واحدة أو اثنتان عن طريق تاجر فرنسي. وتوجد واحدة من هذه العربات حاليا في متحف العلوم في لندن. وبالرغم من فشله في تجربته التجارية الأولى فان ذلك لم يثبط من عزيمته، فعمد الى تقديم تجارب أخرى حتى توصل إلى المعادلة الصحيحة التي حققت له حلمه بوضع حجر الأساس لتجارة السيارة وتداولها على نحو تجاري واسع.
وفي المقابل، انصب تركيز جوتليب دايملر على تطوير المحركات السريعة نظرا لعمله السابق مع نيكولاس أوتو الذي نسب إليه تطوير المحرك رباعي الأشواط. وقد أجرى تعديلات عديدة على النماذج الأولية من المحركات التي صنعها، وبالرغم من عدم التفاته إلى الجانب التجاري فقد لجأ إليه العديد من رواد صناعة السيارات للحصول على حقوق صناعة محركاته، وكان لهذا الأمر أعظم الأثر في وضع حجر الأساس لصناعة ضخمة للسيارات.
ونشير هنا إلى حقيقة تاريخية ربما لا يعرفها الكثيرون وهي أن كارل بنز وجوتليب دايملر لم يلقتيا أبدا وجها لوجه في حياتهما، فقد عمل كل منهما بشكل مستقل عن الآخر
حكاية الاسم مرسيدس
إيميل جيلينيك تاجر نمساوي يقيم في مدينة نيس الفرنسية، عشق السيارة منذ ظهورها وسعى إلى تشجيع صناعتها بمساندته لدايملر في مشاريعه، وقاد دراجة دايملر البخارية وعربة بنز ثلاثية العجلات وكان مغرما برياضة السيارات التي أشرقت شمسها مع يزوغ فجر صناعة السيارات التي ساهم في عمليات تسويقها تجاريا.
في عام 1897 طلب جيلينيك من دايملر سيارة بمواصفات خاصة فحصل على الـ«فايتون» Phaeton المزودة بمحرك يولد 9 أحصنة يصل بها إلى سرعة 40 كم/س. بعد قيادته لهذه السيارة ازداد حماسا وولعا بسيارات دايملر فشارك في رالي فرنسا لعام 1899 بسيارة أخرى من دايملر هي «فينيكس»Phoenix بقوة 23 حصانا وحقق الفوز بها مستخدما بعض الحيل.
بعد نتائج الفوز العديدة التي حققها أراد جيلينيك المشاركة بسيارات دايملر بإسم مستعار هو مرسيدس Mercedes ويعود لابنته وكان عمرها آنذاك 11 عاما، ويعتقد أنه فضل تغيير الإسم للتغطية على إسم دايملر الذي أراد أن يحتكره لنفسه. وفي عام 1900 تقدم جيلينيك بعرض كبير إلى دايملر يتضمن طلبية شراء 36 سيارة بقيمة 550 ألف مارك ذهبي، واشترط تسميتها «مرسيدس» والحصول على حقوق التوزيع في النمسا والمجر وفرنسا والولايات المتحدة إضافة الى حق إبداء الرأي في السيارات التي سيتم انتاجها وتعديل ما يراه مناسبا. ولم يجد ديملر سببا يمنعه من قبول عرض جيلينيك.
وتوفي دايملر في نفس ذلك العام وهو 1900، وتم انتخاب جيلينيك لمجلس إدارة دايملر موتورن جيسيشافت، واستمر في منصبه 9 أعوام ساهم فيها بشكل كبير في تطوير سيارات دايملر ومرسيدس وتم تسجيل الإسم مرسيدس كماركة تجارية في عام 1902.
السرد السابق هو من كتاب التاريخ الرسمي لمرسيدس-بنز، ولكن هناك روايات أخرى تشير إلى تفاصيل أخرى أكدتها كتب مختلفة لتاريخ السيارة.
إحدى تلك الروايات تشير إلى انزعاج جيلينيك الشديد من سيطرة السيارات الفرنسية على السباقات الدولية في تلك الفترة ورغبته بإمالة الكفة لصالح الألمان، فاقترح على فيلهيلم مايباخ صديق دايملر مساعدة دايملر على تطوير سيارة تحقق هذه الغاية، وأن يتم تقديم هذه السيارة للمشاركة في أسبوع مدينة نيس الفرنسية لسباقات السيارات في عام 1901، وفي حال فوزها بالسباق سيقوم بشراء 36 سيارة من دايملر. وجاءت استجابة مايباخ بسيارة خفيفة ورشيقة وأسرع من أي سيارة أخرى صنعها دايملر، وتميزت بهيكل فولاذي ومحرك يحمل صمامات متزامنة وناقل خاص للحركة، وأطلق عليها بداية الإسم 35 حصان ولكن استبدل فيما بعد بـ مرسيدس.